القديسة مريم المصرية
ولدت القديسة مريم في الأرياف المصرية في أوائل القرن الرابع الميلادي، و عندما كانت ابنة إثنتي عشرة سنة ذهبت خفية عن والديها إلي مدينة الإسكندرية التي كانت في ذلك الوقت منارة للعلوم و المعارف يؤمها رجال الشرق و الغرب من التجار و الصناع و محط رجال الألوف من الطلبة من جميع العناصر، غارقة في بحر من الغنى و الترف فبهرها ما رأت فيها من جمال و مال و أسرع إليها الشبان يتملقونها فاستسلمت لهم و عاشت فيها حياة الدعارة و الطيش و الخلاعة و الفسق و الفجور سبعة عشر عاماص سببت فيها هلاك الكثيرين من الرجال، و كان عيد رفع الصليب الكريم قد قرب و هو عيد تحتفل به المدينة المقدسة إحتفالاً عظيماً و كان المسيحيون يأتون من جميع أنحاء البلاد ليشاهدوا الإحتفالات و يتبركوا من العود الكريم. خرجت جماعة من الإسكندرية متوجهة للقدس لحضور العيد فذهبت مريم معهم للتفرج و قضاء أيام سرور و إنشراح . و لما وصلت القافلة إلي أورشليم لم تذهب مريم لزيارة الكنائس و الأماكن المقدسة بل ذهبت كعادتها وراء المعاصي، و جاء يوم العيد فهرع الألوف إلي الكنيسة لحضور العيد و التبرك من الصليب الكريم و دخلت مريم بين الجماهير و سارت معهم و لكنها لما أتت باب الكنيسة شعرت بقوة خفية تدفعها إلي الوراء و تمنعها من الدخول فحاولت مراراً و لم تقدر، و نظرت حولها فرأت أن الجميع يدخلون و لا مانع يمنعهم بينما كانت الوحيدة التي لا تستطيع الدخول فنخست في قلبها و تذكرت حياتها الأثيمة، و فهمت أن معاصيها هي التي وقفت في وجهها و حالت دون دخولها إلي بيت الله. عندما رفعت عينيها شاهدت على باب الكنيسة والدة الإله واقفة تمنعها من الدخول فأخذت تبكي و تستعطف والدة الإله و عزمت أن تعدل سيرتها و أن تتوب، ووعدتها بأن تفعل ما تريد لتكفر عن خطاياها فسمعت صوتاً يقول لها:"إذهبي إلي الأردن و أعبريه و هناك تجدين الراحة و الطمأنينة" و هكذا عادت الي الكنيسة و دخلتها بسهولة و سجدت لعود الصليب الكريم ساكبة أمامه دموعها الغزيرة و ندامتها الصادقة، ثم توجهت إلي الأردن و جازته ذاهبة إلي أعماق البرية و عاشت "47" سنة حياة قاسية جداً في التوبة و الصيام و التأمل و مقارعة التجارب الشيطانية، و في أواخر أيام حياتها شاهدها كاهن ناسك إسمه(زوسيماس) كان قد توغل في الصحراء للصلاة و العبادة فظن أولاً انه رأي شبحاً و لكنه رآه يتحرك فناداه فهرب، فلحق به، و أخذ يعدو وراءه و هو يصيح و يقول:"يا رجل الله قف قليلاً لأخذ بركتك" ظناً منه أنه أحد النساك، و مازال يركض وراءه حتى أدركه و إذا بذاك الشبح يصيح بالراهب ويقول :" أيها الأب زوسيماس إني أمراة خاطئة و أنا عريانه فاذا كان لابد من الكلام معي فارم الي بالجبة التي عليك لاستتر بها"، فرمى بها اليها و اقترب منها و إذا به أمام إمراة قد تجعد وجهها و أحرقت الشمس جسمها و ابيض شعرها و استرسل على صدرها و كتفيها فقالت له:" أيها الأب زوسيماس ماذا تريد من أمراة بائسة مثلي"؟ ثم قصت عليه سيرة حياتها من أولها إلي تلك الساعة و ما تحملت بها من تجارب شيطانية شديدة، و عن معونة والدة الإله لها في أثناء التجارب فطلبت منه أن لا يبوح بسرها ما دامت على قيد الحياة و أن يأتيها بالأسرار الطاهرة يوم خميس الأسرار في السنة المقبلة لتتناول جسد الرب و دمه و في السنة التالية، و في يوم الخميس العظيم، أتاها بها و ناولها ثم طلبت إليه أن يأتي في السنة التالية فيراها في المكان الذي لقيها فيه للمرة الأولى في الصحراء فوعدها بذلك. و إنقضت السنة فسار الأب زوسيماس إلي البرية حتى أتي المكان فوجدها ممددة باحتشام ووقار ينبعث النور من محياها و أسد رابض أمامها يحرسها ورأي على الأرض الكتابة التالية : " أيها الأب زوسيماس، إدفن جسد مريم البائسة، و أعد إلي الأرض ما هو منها، وصل لأجلي ، إني رقدت ليلة الجمعة العظيمة بعد أن غذوت نفسي بالمناولة المقدسة" فقام لساعته و إذا بالأسد يتقدمه و ينبش الأرض بمخالبه حتى حفر حفرة كبيرة فحمل الأب زوسيماس ذلك الجسد الطاهر وواراه التراب، و هكذا أعلم الأب زوسيماس رئيسه بما حصل و كتب سيرة حياتها . كان ذلك حوالي سنة"437م". إن قصة مريم هذه تعلمنا أن التوبة الحقيقية تخلص الإنسان و تمحو خطاياه كلها مهما كانت،فهي تطهير للنفس، و بمثابة معمودية ثانية لأن الذي دنس معموديته بالخطايا يعيدها إلي بهائها الأول عن طريق التوبة. بها خلص الكثيرون من الناس و أصبحوا قديسين على مثال مريم ال&#