القدّيس البار أفلاطون
رئيس دير ساكوذيون
(+ 814 م)
تيتّم إثر وفاة والدَيه بالطاعون الذي اجتاح القسطنطينية وضواحيها سنة 747 م. عمره، يومذاك، كان ثلاثة عشر عاماً. اُلحق بأحد أعمامه، وزير المالية في الأمبراطورية. تلقّى تعليماً ممتازاً وأبدى قابليات مدهشة في إدارة الشؤون العامة حتى إن العديدين من ذوي الرفعة التمسوا عشرته. أما هو فنفرت نفسه من المعاشرات الدنيوية والأوساط المترفّهة وارتحل ذهنه إلى ناحية الكنائس والأديرة أخذ يقصدها للصلاة كلّما سنحت له الفرصة. فلما بلغ به الوجد الإلهي حدّه وخبا في عينيه كل بريق العالم، أطلق خدّامه ووزّع ثروته على الفقراء، بعدما أمّن لأختَيه مهرهما، ووجّه طرْفه ناحية جبل الأوليمبوس في بيثينيا مصحوباً بأحد خدّامه. فلما بلغا مغارة جعل خادمه يقصّ له شعره ثم تبادل وإيّاه الأثواب وأطلقه وجاء إلى دير الرموز. أبدى، هناك، رئيس الدير، ثيوكتيستوس، حياله تحفّظاً بعدما استعرفه واحداً من الارستقراطية، معتاداً السيرة المخملية. لكنه ما لبث أن غيّر رأيه، لا سيما بعدما أخضعه للاختبار واستبانت لناظريه أصالة محبّته لربّه وصلابة نفسه وشدّة عزمه وكمال زهده. سنّه، يومذاك، كانت الرابعة والعشرين.
سلك أفلاطون في الطاعة الكاملة لأبيه الروحي مقتبلاً، ببركته، أشدّ الأتعاب النسكية. على هذه الدرب مشى بخطى واثقة ثابتة، مخضعاً نوازع جسده لفكر المسيح في قلبه، دائباً على الأسهار وسكب العبرات، معترشاً التواضع أساساً لكل سعي. حَفِظَه كشفه لسرائر أفكاره، كل حين، من فخاخ شيطان الكبرياء، فازداد رغبة في محاكاة تواضع المسيح. وإذ هجر مهنته المفضَّلة، وهي النسخ، جعل نفسه في خدمة إخوته يتّخذ، إثر سؤالهم، أملَّ المهام وأمقتها، كنقل الزبل وعرك العجين. وابتغاء تمحيصه كان ثيوكتيستوس، أحياناً، يتّهمه، زوراً، في محضر الغرباء، بفعلة أو بأخرى وينتهره بقسوة لارتكابه ما هو براء منه. بإزاء ذلك كان أفلاطون يطأطئ رأسه ويسأل العفو دامعاً، غير مبرِّر نفسه بكلمة لأنه كان يحسب الإهانات والتعيير كسباً ومجداً.
فضائله أفاضت عليه محبّة أبيه وسائر السالكين في مخافة الله حتى إنه قبل مرغماً أن يرأس الدير بعد رحيل ثيوكتيستوس إلى ربّه. ارتقاء سدَّة الرئاسة كان، لأفلاطون مناسبة لإحراز المزيد من التقدّم الروحي. فأقام على حدة، لا سيما وأن بعضاً من دير الرموز كان لافرا. واللافرا، في الأصل، قلال تتصل بممر. أخذ يقتات من البقول النيء طوال الأسبوع ولا يأخذ نصيباً من المائدة المشتركة إلا في الآحاد. كان على اعتدال كبير في الشراب، لا يأخذ من الماء سوى نصيب كل يومين، وأحياناً مرّتين في الأسبوع. كما كان يسوس القطيع بحكمة مبدياً، في الصلاة، أعظم الحميّة، وكان يدفع الرهبان صعداً إلى جبل المعاينة الإلهية. كل وقت كان فيه خلواً من الصلاة كان يملأه من النسخ بخط دقيق جميل لكتابات الآباء القدّيسين. هذا أكسبه معرفة فذّة بتراث الكنيسة وألهمه مبادئ الإصلاح الرهباني التي دعت إليها الحاجة إثر الفوضى التي ترافقت وفترة العداء للإيقونات.
وكان في زمن حملة الأمبراطور قسطنطين الخامس، الزبلي الإسم، عام 780م، أن أفلاطون قام بزيارة القسطنطينية فاستقبله أنسباؤه كالناهض من بين الأموات. مسحته النسكية وعذوبته ونعمة كلامه المشبع بالنسغ الإنجيلي جعلته موضع اهتمام المدينة بأسرها. يومذاك كان الكلّ للكلّ نظير رسول جديد، يصلح الساقطين في مهاوي الهرطقة ويبثّ روح العفّة في المتزوّجين ويعظ الفتية إلى العذرة ويعزّي المكروبين ويضع السلام فيما بين المتخاصمين، مقدِّماً نفسه طبيباً للنفوس وعشيراً لمَن هم في سدّة المسؤولية، باعثاً في الجميع الرغبة في الكمال. على هذا اجتذب إلى الحياة النسكية شقيقته ثيوكتيستي وزوجها فوتينوس وأولادهما الثلاثة: ثيودوروس ويوسف وأفثيميوس مع أختهم، وكذا إخوة فوتينوس وآخرين أصدقاء لهم. وبعدما اعتذر عن رئاسة أحد ديورة العاصمة وامتنع عن قبول أسقفية نيقوميذية، اعتزل وإيّاهم في ناحية ساكوذيون العائلية فحوّلوها ديراً شركوياً. قام الدير الجديد على أسس متينة تمتّ إلى تراث الآباء القدّيسين وضمّ، في فترة قصيرة، مائة راهب. وقد أضحى نموذجاً للعديد من الأديرة في زمانه.
سلك الإخوة في الشركة متّحدين، بعمق، برئيسهم، نظير أعضاء الجسد بالرأس. غيرأن قلب أفلاطون كان إلى العزلة الكاملة. فلما لحظ المزايا الفائقة التي تمتّع بها القدّيس ثيودوروس – وهو الذي صار على ستوديون فيما بعد وعُرف بالستوديتي (11 تشرين الثاني) – وبعدما أعدّه للقيادة، أسلمه دفّة الشركة متعلِّلاً بعلّة المرض واعتزل (794 م).
غير أن حبل السلام في الدير اضطرب وتعرّض الرهبان للاضطهاد إثر الموقف الذي تبنّاه أفلاطون وثيودوروس في شأن اقتران الأمبراطور قسطنطين السادس، بصورة غير شرعية، بثيودوتا، إحدى وصيفات الأم الملكة ونسيبة أفلاطون وثيودوروس. نبذ القدّيسان كل خوف من الناس وتعرّضا للأمبراطور لأنه تجاسر فتجاهل القوانين الكنسية وحرمتها. وقد استدعى الملك القدّيس أفلاطون إلى القسطنطينية وضغط عليه لحمله على الرضوخ لمشيئته، فكان جوابه، نظير معمدان جديد، أن صرخ في وجه الأمبراطور: "لا يحلّ أن تكون لك امرأة أخيك!" (مر 6: 18). للحال أُوقف وأُلقي في حبس ضيِّق وصاروا يمرِّرون له طعامه عبر نافذة صغيرة. أما رهبان ساكوذيون فتبعثروا ونُهب الدير فيما نُفي القدّيس ثيودوروس وأحد عشر معه إلى تسالونيكي.
ومرّ وقت جرى بعده تغيير في القصر أُطيح خلاله بقسطنطين السادس وقبضت الأمبراطورة إيريني على زمام الأمور فأطلقت أفلاطون وردّت ثيودوروس من المنفى، فعاد الرهبان إلى ساكوذيون عام 797 م. لكنهم ما لبثوا، تحت تهديد غزوات المسلمين العرب، أن غادروا الدير إلى القسطنطينية حيث قدّمت لهم الأمبراطورة دير ستوديون الذي كان قد حلّ به الخراب خلال الهجمة على الإيقونات. ثيودوروس، هناك، هو الذي تولّى الشركة فيما اعتزل أفلاطون في قلاّية مغطّاة بالرصاص، متجمّدة في الشتاء ومحرقة، كآتون بابل، في الصيف. هذا الكوخ المظلم أضحى لقدّيس الله مرسحاً لمعارك مضاعفة. فإنه جعل في رجله سلسلة ثقيلة فيما انطلقت روحه، بالمعاينة الإلهية، في رحاب السماء. هذا لم يحل البتّة دون اتصاله بالإخوة الذين كان يستقبلهم معزّياً في المحن ومشدِّداً في ساحات الحرب اللامنظورة، داعياً إيّاهم إلى الصبر والثبات، ومفقِّهاً في تعليم الآباء القدّيسين.
كان أفلاطون وثيودوروس لرهبان دير ستوديون نظير موسى وهرون لشعب العهد القديم. وقد أبديا حيال تقليد الكنيسة المقدّسة غيرة لا تخبو. على هذا قاوما، باسم القوانين الكنسية، ترقية القدّيس نيقيفوروس، من الحالة العامية إلى الرتبة البطريركية. من جديد أخرجهما الجند الملكي، بعنف، من الدير، وعرّضهما لاضطهادات شرسة على مدى سنة كاملة. وإنّ مجمعاً للأساقفة الخاضعين للأمبراطور أدان القدّيس أفلاطون الذي أُسلم إلى رهبان مزيّفين وأُخرج بطريقة محقِّرة إلى جزيرة أوكسيا في أرخبيل الأمراء حيث أغلقوا عليه في حبس ومنعوا عنه العناية الصحيّة الضرورية، لا سيما وأن وضعه الصحّي كان في تردٍّ.
ومرّة أخرى حدث تغيير في الحكم، بعدما قُتل الأمبراطور نيقيفوروس الأول في معركة ضد البلغار، وتبوّأ العرش ميخائيل الأول. فعاد المنفيّون إلى ديرهم، لكن أفلاطون لم يعد إلى خلوته بل اتّخذ قلاّية خضع فيها للعلاج بعدما أضنت جسده كثرة الأتعاب. هذا لم يُعق صلاته المتواصلة ولا تمتّعه بالمعاينة الإلهية، ولمّا يحل دون تواصله ورهبان الشركة يزوّدهم بنصائحه.
فلمّا كان الصوم الكبير من العام 814 م مرض مرضاً شديداً فنُقل، بناء لطلبه، ليكون بقرب مدفنه الذي أمر بإعداده سلفاً. فلمّا وقعت عليه عيناه هتف بارتياح: "هذا موضع راحتي!" وجاءه زائراً عددٌ من ذوي المعالي بينهم البطريرك نيقيفوروس الذي تصالح وإيّاه عن محبّة خالصة. وبعد أن غفر لمَن اضطهدوه أفعالهم، نظير معلّمه، وعبّر لثيودوروس ورهبانه أنه لا يحتفظ لنفسه بعد بأي شيء بل أعطاهم كل شيء، أسلم الروح لربّه يوم سبت لعازر وهو ينشد: "الموتى يرتفعون والذين في القبور يقومون والذين وُوروا الثرى يبتهجون".
ملاحظة . كتب سيرة حياة القدّيس أفلاطون ابن أخته القدّيس ثيودوروس الستوديتي. يُعيِّد له الغربيون مثلنا اليوم.
رئيس دير ساكوذيون
(+ 814 م)
تيتّم إثر وفاة والدَيه بالطاعون الذي اجتاح القسطنطينية وضواحيها سنة 747 م. عمره، يومذاك، كان ثلاثة عشر عاماً. اُلحق بأحد أعمامه، وزير المالية في الأمبراطورية. تلقّى تعليماً ممتازاً وأبدى قابليات مدهشة في إدارة الشؤون العامة حتى إن العديدين من ذوي الرفعة التمسوا عشرته. أما هو فنفرت نفسه من المعاشرات الدنيوية والأوساط المترفّهة وارتحل ذهنه إلى ناحية الكنائس والأديرة أخذ يقصدها للصلاة كلّما سنحت له الفرصة. فلما بلغ به الوجد الإلهي حدّه وخبا في عينيه كل بريق العالم، أطلق خدّامه ووزّع ثروته على الفقراء، بعدما أمّن لأختَيه مهرهما، ووجّه طرْفه ناحية جبل الأوليمبوس في بيثينيا مصحوباً بأحد خدّامه. فلما بلغا مغارة جعل خادمه يقصّ له شعره ثم تبادل وإيّاه الأثواب وأطلقه وجاء إلى دير الرموز. أبدى، هناك، رئيس الدير، ثيوكتيستوس، حياله تحفّظاً بعدما استعرفه واحداً من الارستقراطية، معتاداً السيرة المخملية. لكنه ما لبث أن غيّر رأيه، لا سيما بعدما أخضعه للاختبار واستبانت لناظريه أصالة محبّته لربّه وصلابة نفسه وشدّة عزمه وكمال زهده. سنّه، يومذاك، كانت الرابعة والعشرين.
سلك أفلاطون في الطاعة الكاملة لأبيه الروحي مقتبلاً، ببركته، أشدّ الأتعاب النسكية. على هذه الدرب مشى بخطى واثقة ثابتة، مخضعاً نوازع جسده لفكر المسيح في قلبه، دائباً على الأسهار وسكب العبرات، معترشاً التواضع أساساً لكل سعي. حَفِظَه كشفه لسرائر أفكاره، كل حين، من فخاخ شيطان الكبرياء، فازداد رغبة في محاكاة تواضع المسيح. وإذ هجر مهنته المفضَّلة، وهي النسخ، جعل نفسه في خدمة إخوته يتّخذ، إثر سؤالهم، أملَّ المهام وأمقتها، كنقل الزبل وعرك العجين. وابتغاء تمحيصه كان ثيوكتيستوس، أحياناً، يتّهمه، زوراً، في محضر الغرباء، بفعلة أو بأخرى وينتهره بقسوة لارتكابه ما هو براء منه. بإزاء ذلك كان أفلاطون يطأطئ رأسه ويسأل العفو دامعاً، غير مبرِّر نفسه بكلمة لأنه كان يحسب الإهانات والتعيير كسباً ومجداً.
فضائله أفاضت عليه محبّة أبيه وسائر السالكين في مخافة الله حتى إنه قبل مرغماً أن يرأس الدير بعد رحيل ثيوكتيستوس إلى ربّه. ارتقاء سدَّة الرئاسة كان، لأفلاطون مناسبة لإحراز المزيد من التقدّم الروحي. فأقام على حدة، لا سيما وأن بعضاً من دير الرموز كان لافرا. واللافرا، في الأصل، قلال تتصل بممر. أخذ يقتات من البقول النيء طوال الأسبوع ولا يأخذ نصيباً من المائدة المشتركة إلا في الآحاد. كان على اعتدال كبير في الشراب، لا يأخذ من الماء سوى نصيب كل يومين، وأحياناً مرّتين في الأسبوع. كما كان يسوس القطيع بحكمة مبدياً، في الصلاة، أعظم الحميّة، وكان يدفع الرهبان صعداً إلى جبل المعاينة الإلهية. كل وقت كان فيه خلواً من الصلاة كان يملأه من النسخ بخط دقيق جميل لكتابات الآباء القدّيسين. هذا أكسبه معرفة فذّة بتراث الكنيسة وألهمه مبادئ الإصلاح الرهباني التي دعت إليها الحاجة إثر الفوضى التي ترافقت وفترة العداء للإيقونات.
وكان في زمن حملة الأمبراطور قسطنطين الخامس، الزبلي الإسم، عام 780م، أن أفلاطون قام بزيارة القسطنطينية فاستقبله أنسباؤه كالناهض من بين الأموات. مسحته النسكية وعذوبته ونعمة كلامه المشبع بالنسغ الإنجيلي جعلته موضع اهتمام المدينة بأسرها. يومذاك كان الكلّ للكلّ نظير رسول جديد، يصلح الساقطين في مهاوي الهرطقة ويبثّ روح العفّة في المتزوّجين ويعظ الفتية إلى العذرة ويعزّي المكروبين ويضع السلام فيما بين المتخاصمين، مقدِّماً نفسه طبيباً للنفوس وعشيراً لمَن هم في سدّة المسؤولية، باعثاً في الجميع الرغبة في الكمال. على هذا اجتذب إلى الحياة النسكية شقيقته ثيوكتيستي وزوجها فوتينوس وأولادهما الثلاثة: ثيودوروس ويوسف وأفثيميوس مع أختهم، وكذا إخوة فوتينوس وآخرين أصدقاء لهم. وبعدما اعتذر عن رئاسة أحد ديورة العاصمة وامتنع عن قبول أسقفية نيقوميذية، اعتزل وإيّاهم في ناحية ساكوذيون العائلية فحوّلوها ديراً شركوياً. قام الدير الجديد على أسس متينة تمتّ إلى تراث الآباء القدّيسين وضمّ، في فترة قصيرة، مائة راهب. وقد أضحى نموذجاً للعديد من الأديرة في زمانه.
سلك الإخوة في الشركة متّحدين، بعمق، برئيسهم، نظير أعضاء الجسد بالرأس. غيرأن قلب أفلاطون كان إلى العزلة الكاملة. فلما لحظ المزايا الفائقة التي تمتّع بها القدّيس ثيودوروس – وهو الذي صار على ستوديون فيما بعد وعُرف بالستوديتي (11 تشرين الثاني) – وبعدما أعدّه للقيادة، أسلمه دفّة الشركة متعلِّلاً بعلّة المرض واعتزل (794 م).
غير أن حبل السلام في الدير اضطرب وتعرّض الرهبان للاضطهاد إثر الموقف الذي تبنّاه أفلاطون وثيودوروس في شأن اقتران الأمبراطور قسطنطين السادس، بصورة غير شرعية، بثيودوتا، إحدى وصيفات الأم الملكة ونسيبة أفلاطون وثيودوروس. نبذ القدّيسان كل خوف من الناس وتعرّضا للأمبراطور لأنه تجاسر فتجاهل القوانين الكنسية وحرمتها. وقد استدعى الملك القدّيس أفلاطون إلى القسطنطينية وضغط عليه لحمله على الرضوخ لمشيئته، فكان جوابه، نظير معمدان جديد، أن صرخ في وجه الأمبراطور: "لا يحلّ أن تكون لك امرأة أخيك!" (مر 6: 18). للحال أُوقف وأُلقي في حبس ضيِّق وصاروا يمرِّرون له طعامه عبر نافذة صغيرة. أما رهبان ساكوذيون فتبعثروا ونُهب الدير فيما نُفي القدّيس ثيودوروس وأحد عشر معه إلى تسالونيكي.
ومرّ وقت جرى بعده تغيير في القصر أُطيح خلاله بقسطنطين السادس وقبضت الأمبراطورة إيريني على زمام الأمور فأطلقت أفلاطون وردّت ثيودوروس من المنفى، فعاد الرهبان إلى ساكوذيون عام 797 م. لكنهم ما لبثوا، تحت تهديد غزوات المسلمين العرب، أن غادروا الدير إلى القسطنطينية حيث قدّمت لهم الأمبراطورة دير ستوديون الذي كان قد حلّ به الخراب خلال الهجمة على الإيقونات. ثيودوروس، هناك، هو الذي تولّى الشركة فيما اعتزل أفلاطون في قلاّية مغطّاة بالرصاص، متجمّدة في الشتاء ومحرقة، كآتون بابل، في الصيف. هذا الكوخ المظلم أضحى لقدّيس الله مرسحاً لمعارك مضاعفة. فإنه جعل في رجله سلسلة ثقيلة فيما انطلقت روحه، بالمعاينة الإلهية، في رحاب السماء. هذا لم يحل البتّة دون اتصاله بالإخوة الذين كان يستقبلهم معزّياً في المحن ومشدِّداً في ساحات الحرب اللامنظورة، داعياً إيّاهم إلى الصبر والثبات، ومفقِّهاً في تعليم الآباء القدّيسين.
كان أفلاطون وثيودوروس لرهبان دير ستوديون نظير موسى وهرون لشعب العهد القديم. وقد أبديا حيال تقليد الكنيسة المقدّسة غيرة لا تخبو. على هذا قاوما، باسم القوانين الكنسية، ترقية القدّيس نيقيفوروس، من الحالة العامية إلى الرتبة البطريركية. من جديد أخرجهما الجند الملكي، بعنف، من الدير، وعرّضهما لاضطهادات شرسة على مدى سنة كاملة. وإنّ مجمعاً للأساقفة الخاضعين للأمبراطور أدان القدّيس أفلاطون الذي أُسلم إلى رهبان مزيّفين وأُخرج بطريقة محقِّرة إلى جزيرة أوكسيا في أرخبيل الأمراء حيث أغلقوا عليه في حبس ومنعوا عنه العناية الصحيّة الضرورية، لا سيما وأن وضعه الصحّي كان في تردٍّ.
ومرّة أخرى حدث تغيير في الحكم، بعدما قُتل الأمبراطور نيقيفوروس الأول في معركة ضد البلغار، وتبوّأ العرش ميخائيل الأول. فعاد المنفيّون إلى ديرهم، لكن أفلاطون لم يعد إلى خلوته بل اتّخذ قلاّية خضع فيها للعلاج بعدما أضنت جسده كثرة الأتعاب. هذا لم يُعق صلاته المتواصلة ولا تمتّعه بالمعاينة الإلهية، ولمّا يحل دون تواصله ورهبان الشركة يزوّدهم بنصائحه.
فلمّا كان الصوم الكبير من العام 814 م مرض مرضاً شديداً فنُقل، بناء لطلبه، ليكون بقرب مدفنه الذي أمر بإعداده سلفاً. فلمّا وقعت عليه عيناه هتف بارتياح: "هذا موضع راحتي!" وجاءه زائراً عددٌ من ذوي المعالي بينهم البطريرك نيقيفوروس الذي تصالح وإيّاه عن محبّة خالصة. وبعد أن غفر لمَن اضطهدوه أفعالهم، نظير معلّمه، وعبّر لثيودوروس ورهبانه أنه لا يحتفظ لنفسه بعد بأي شيء بل أعطاهم كل شيء، أسلم الروح لربّه يوم سبت لعازر وهو ينشد: "الموتى يرتفعون والذين في القبور يقومون والذين وُوروا الثرى يبتهجون".
ملاحظة . كتب سيرة حياة القدّيس أفلاطون ابن أخته القدّيس ثيودوروس الستوديتي. يُعيِّد له الغربيون مثلنا اليوم.