شهادة تيموثاؤس إبراهيم
درجت العادة عند أبائي السريان أن يبدأ بعضهم كتابه في القرون الأولى قبل الإسلام بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"،ذلك أن اسم الله برج حصين إليه يركض الصديق و يتمنع. ولشغفي بالتأملات النسكية للأباء الأوائل في الكنيسة فعلت مثلما يفعل بعضهم واستهللت القول ب"بسم الله الرحمن الرحيم".
إسمي إبراهيم .. وكم أعتز باسمي العربي إنه اسم أبي الأنبياء، أبو خليل، ابن الفلاحين البسطاء الذي تربى على الحصيرة واللمبة نمرة خمسة والجبن القريش والمذاكرة على الترعة والجلابية البيضاء التي زلت ألبسها حتى الآن. أحيانا يناديني البعض من الأمريكان باسم "تيموثي" و تعارف الكثيرون على هذا اللقب لي"Timothy Abraham" حرصا على الأمان في فترة ما. إلا أني إبراهيم دائماً وأعتز بذلك.
في طفولتي قبل دخولي المدرسة الابتدائية، اصطحبتني أمي باليد وأودعتني إلى كُتاب القرية. وهناك تعلمنا القراءة والكتابة وحفظ القرآن على يد أحد الشيوخ. و في أخر الأسبوع كان يتقاضى منا (بريزة على بعضها) أي عشرة قروش. وإلى الآن كلما رأيته قبلت يده هذا الشيخ المسلم الجليل. في الكُتاب ترسخ في ذهني وقلبي طاعة الله فاطر السماء والأرض. وما إن بلغت المرحلة الإعدادية حتى أزداد اهتمامي بحلقات الذكر في المساجد. في بداية مشوار التدين، بدأت أحضر حلقات العبادة الصوفية لجماعة سيدي العارف بالله محمد ماضي أبي العزائم. كنا نهيم في ذات الرسول مبتهلين نظرة ومدد يا رسول الله وكان الهيام في حب الله هو الأساس "حتى تقع العين على العين".
وذات يوم عقب صلاة المغرب بمسجد المحطة، أقترب منى رجلان وتعرفا علي، فكان الأول أسمه ( محمد) والأخر (سليمان) قال أحدهم حرماً فردت : جمعاً إن شاء الله . رأيت فيهما طيبة لا أنساها وحرص شديد على إرضاء الله سبحانه وتعالى، متزودين من خير الزاد وهو التقوى. تعرفت على بقية أصدقائهما ، ذلك أنهم قوم تحابوا في طاعة الله ، فبهرني منهم ذلك الترابط العجيب . كانوا من خيرة شباب بلدنا.
توسموا فِيّ ذلك الولع الشديد بعبادة الله ومقدرتي على الخطابة ولهم أي جماعة الإخوان المسلمين أدين بتنمية موهبة الخطابة و بتشجيعي على الدراسة والتعمق في الدين. ، وبسبب هذا وصلت إلى ما أنا عليه الآن من النور الإلهي الكامل والحق الذي ألقى الله عليه يوم الحشر.
كنت ألقى خطبة تلي خطبة أمير جماعتنا، وذلك في الاجتماع الذي كان يعقد في الاثنين الأول من كل شهر عربي. لا تستغربوا إذا قلت لكم أني بدأت الخطابة في المسجد وأنا لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري. لا لوم علي إن فعلت هذا، الشافعي رحمه الله كانوا يستفتونه وعمره 6 أو 9 سنوات. أذكر أني أول ما وعظت به في المسجد كان حول الطريقة المثلى للاحتفال بالمولد النبوي. كنا نجتمع على الصوم والإفطار في المسجد جماعة إن شاء الله، مقتدين بالرسول في كل شيء حتى في أصغر الأمور" كطريقة مشيه و تعوذه و طريقة الأكل والشرب و الملبس.. الخ".
في يوم فوجئت بأحد أصدقائي يقول لأبى إن إبراهيم أحد الخطباء في الجماعة السنية، و أنه يحضر معهم اجتماعاتهم العلنية و السرية فتضايقت لأن هذا الصديق وشى بي عند أبي لمجرد قيامي بالدعوة إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة في جماعة الأخوان المسلمين.كنا نجول معاً من مسجد إلى مسجد لنشر الدعوة . كم كنت أتمنى لو أن والدي كان حاضراً في المسجد أثناء إلقائي الخطبة.ولكن بعد إفشاء سري لوالدي أصدر والدي إلي التحذيرات و التهديدات المرة تلو الأخرى لعلى أتراجع عن موقفي وأبتعد عن الإخوان المسلمين، لأننا كجماعة أصبحنا معروفين إلى هذا المخبر الذي يدعى محمد الذي ينقل كل أخبارنا و تحركاتنا إلى مباحث أمن الدولة كان يسجل خطبنا من داخل دورة المياه في المسجد، ويسلمها لمكتب أمن الدولة في المنطقة . كنت أشعر بشيء من الزهو بنفسي والأخ عبد الحكيم سالم يسجل خطبي في المسجد، لكن لا أنا ولا أبى كنا فرحانين بأن أسمي وصل أمن الدولة، عندئذ ضاق بوالدي الأمر خوفاً على سلامتي، فذهب إلى الإخوان المسلمين في الجامع وصرخ فيهم أمام الناس أن يبتعدوا عني. ثم أتى إلي وضربني وكسر أسناني في غرفة النوم التي كنت أجلس بها. إلى الآن السن الأمامي مكسور وتحمل ذكرياتي مع الإخوان المسلمين. ولأول مرة في حياتي حرق والدي كتبي الدينية خوفاً علي من ( الجماعة السنية ) ثم حلف والدي على أمي بالطلاق أني لن أدخل جامع السنية هذا مرة أخرى، فأسترحمته أن يأذن لي أن أجلس خارج الجامع حتى أستمع إلى شيوخ الإخوان المسلمين دون أن أنقض يمينه . فكان يجلس إلى جواري خارج المسجد وأنا كلي آذان صاغية أتلقف كل كلمة يقولونها لعلي أظفر برضى الله وأفوز بالجنة خير ظفر.
لم يوقفني التهديد ولا الوعيد عن نشر الدعوة الإسلامية، فكنت أقف بين زملائي في طابور الصباح كل يوم خطيباً إسلامياً جهورياً. في ذلك الحين فرضت الحجاب على أختي وأحجمت عن مصافحة النساء والاستماع إلى الغناء خوفاً من أن يُصب الله الآنك أي الرصاص المسكوب في أذني يوم القيامة كما حذرنا الرسول. تعرضت لكثير من السخرية والاستهزاء من الجيران لاجتهادي على تطبيق القرآن والسنة النبوية بحذافيرها. فما ذنبي إن كانوا قد قالوا لي أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأن (الإسلام هو الحل ) ؟ ! وبأي حق يسخرون إلا لجهلهم بالإسلام الحقيقي، إسلام الكتاب والسنة؟!
وبينما أنا أجاهد على نشر الدعوة الإسلامية خطر في بالي هداية أصحابي المسيحيين إلى الإسلام لعلي أفوز معهم عندئذ بالجنة. و لو سألتني في ذلك الوقت عن رأيي في النصارى لأجبتك بأنهم كفار ومشركين نجسين لا يستحمون يأكلون الخنزير معروفين برائحتهم العفنة. ولكني اكتشفت من داخل القرآن نفسه عكس هذا الكلام لما جاء في سورة المائدة أية 82:[ لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ] . بموجب هذه الآية فصل القرآن ما بين النصارى وما بين الذين أشركوا. فلو كان النصارى من المشركين لما فصل بين الاثنين و خلى النصارى في ناحية والمشركين في ناحية تانية.
أيضاً في سورة البقرة 62 يشهد القرآن للنصارى بالتوحيد والحق: [ إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من أمن بالله واليوم الأخر، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عن ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ]. حاولت إقناع المسيحيين بالإسلام سواء التقيت بهم في المدرسة أو على محطة القطار أو في المناطق المجاورة لنا أو عن طريق المراسلة التي أشعلت الصراع الديني في داخلي و جعلتني أقارن بين الإسلام و المسيحية من فيهم الصواب و من فيهم الخطأ، من فيهم طريق الله و من فيهم طريق الشيطان. لمدة عامين كنت أصارع.. كثير من الأوقات قررت فض هذا الصراع الداخلي بأن أتوقف عن مطالعة الكتب المسيحية والاكتفاء بتلاوة القرآن مع مطلع كل صباح جديد والسير على هدى النبي. أردت راحة البال مطيعاً لله مخلصاً له الدين. حذروني من مخاطر الشك و مطالعة أي كتب غير الكتب الإسلامية. كان المبدأ هو "لا تجادل" و القرآن نفسه يحذرنا من التوغل في بواطن الأمور فيقول "لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسوءكم". التعمق في المعرفة ممكن أن يوصل لما هو ضد الإسلام.
و ترتب على ذلك إني تخلصت من كتبي المسيحية حتى أكون مسلما موحدا بالله.
لكن الله عز وجل لم يتركني وحالي، فكان ينخسني في منامي بروحه القدوس، فإذا ما أويت إلى الفراش لم يهدأ لي بال و لم يرتح لي ضمير، قضيت الليالي الطوال بلا نوم أو راحة.
وتساءلت: " لو أن محمد فعلاً خاتم الأنبياء فلماذا لا يأتي في أخر الأيام بدلاً من المسيح حكماً مقسطاً عدلاً، ويكون بذلك محمد أحد علامات الساعة لا المسيح ؟!!
و ما السر وراء عظمة المسيح من بين كل الأنبياء حتى صار هو مركز التاريخ ؟ ألسنا نقول بأن هذا الحدث التاريخي حصل قبل الميلاد وذاك الحدث حصل بعد الميلاد[ ق.م، ب.م ] ؟ ما السر وراء عظمتك يا حبيبي المسيح ؟
هذه الأسئلة و أكثر منها جعلتني أقرر عقد مقارنة بين المسيح و محمد [ و بعد وقت من المقارنة اكتشفت أنها مقارنة غير عادلة حتى في القرآن ]. ففي قلب القرآن نفسه لا تجد المسيح يستغفر الله على أية خطية أو ذنب كما فعل باقي الأنبياء والمرسلين، ( لأن المسيح صدق حينما تحدى قادة اليهود قائلاً: " من منكم يبكتني على خطية ؟ في حين أنه هو الذي وبخ اليهود على تقواهم الزائف حينما أمسكوا بامرأة تزني في ذات الفعل، وقال لهم: " من منكم بلا خطية فليرجمها أولاً بحجر " فانصرفوا عنه وضمائرهم تبكتهم). لو أي نبي قال مقولة المسيح "من منكم يبكتني على خطية" لحق وصفه بالغرور لأن كل الأنبياء بشر يخطأون و يستغفرون الله على الذنوب ولا عيب في ذلك. المهم أن المسيح هو الوحيد الذي كان بلا عيب أو ذنب وبالتالي هو الوحيد الذي يحق له أن يتحدى: من منكم يبكتني على خطية؟ من منكم يقدر أن يثبت أي خطية أو ذنب عليّ؟
على العكس من ذلك، وجدت محمد شأنه كشأن باقي البشر بحسب القرآن نفسه مساو لهم في كل شيء في ذنوبه و عدائه للكفار و موته مثل كل البشر، جاء في سورة محمد 47: 19 [وأستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ]، وفى سورة الفتح 48: 2[ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ]، وفى سورة الإسراء 17: 74 [ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً.]جاء في أسباب النزول للإمام السيوطي الآتي: « وأخرج عن محمد بن كعب القرظي : أنه صلى الله عليه وسلم قرأ " والنجم – إلى – أفرأيتم اللاتي والعزى فألقى عليه الشيطان : تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فنزلت وما زال مهموماً حتى أنزل الله : " ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله"الآية.» السيوطي، انتهى. كان هذا سبب نزول الإسراء 73: 74 [ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لا اتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً].
من جهة أخرى، لم أجد في الإنجيل ما يقول إن المسيح كاد أن يركن إلى المشركين لولا أن ثبته الله. السبب في ذلك هو ما تعلمته من دراساتي بأن المسيح هو كلمة الله. كلمة الله لا يمكن أن يركن إلى المشركين. كلمة الله يبطل مشورة المشركين. وبما أن الإنجيل قد دون باليونانية و يعلن لنا أن المسيح هو كلمة الله من زاوية أنه عقل الله المعبّر ..فالمسيح هو عقل الله. والله وعقله ذات واحدة ، لا تجزئة ولا انقسام ولا انفصال. أنت وعقلك واحد. فالمسيح الكلمة المتجسد هو الله الظاهر في الجسد.
كل هذه الأفكار كانت تدور في عقلي، ولكنها كانت تتصارع في قلبي،لأني كنت أخاف أن ينزل علي غضب الله ،( غضب الله الذي ينزل على القوم الكافرين ) لذلك من الأعماق صرخت وأنا ساجد في المسجد و في البيت صرخت و قلت : يا رب اظهر لي الحق . لو الحق مع محمد سأتبعه حتى الموت.
ولو الحق مع المسيح فسوف أتبعه أيضاً حتى الموت وسوف أعيش لك بالكامل والحقيقة اللي ها تظهرها لي ها أنادي بها طول حياتي مهما كلف الثمن.
ظللت أدعو الله بهذا الدعاء حتى تراءى لي المسيح في رؤية في حلم وقال لي بصوته الحنون:
يتبع