رحلة حب
الكاتب: مريم ماهر
دائما يبحث الإنسان عن الحب، ويشتاق لأن يحب وأن يحبه الغير, فالحب حقيقة معاشة يعيشها الإنسان دائما بكل صوره وأنواعه، ولكن ينبغي أن يتميز عن حب النفس أو الأنا.
وقد يصعب إعطاء مفهوم للحب وتعريف له، ولكن يمكن أن نقول إنه انفتاح القلب واتساعه ليحمل في داخله الله نفسه وكل خليقته ليتقبل بفرح كل البشر مشتاقاً أن يقدم نفسه للغير دون ترقب لمكافأة، فالحب ليس انتظار عطاء من الطرف الآخر لكنه عطاء بدون انتظار.
فأجمل لحظه في حياة الإنسان أن يشعر بسعادة الطرف الآخر ولكن من أين تأتى هذه السعادة؟!
السعادة تكون في الحب الحقيقي البعيد عن أى هدف فهي عمل عطاء النفس للغير، فالحب شئ جميل لو كان بحكمه وتدبير وليس الجري وراء شهوة, لكن بالتعقل وفهم الآخر، وبذلك يكون الحب ليس من القلب فقط لكن من الفكر والنفس والقدرة.
كثيراً من الزيجات تفشل لأن الهدف كان غير واضح , هدف مشوش الاتجاهات يسعى إلى ما هو لنفسه, فالمحب الحقيقي ليس هو من يطلب شيئاً لذاته لكن يطلب للآخر ذلك, فالحب رحلة داخلية لتقديم النفس للآخر بحكمة ومعرفة مثلما فعل مخلصنا الحبيب حيث كان قمة الحب أنه أذل نفسه لخلاص شعبه الذي أحبه.
فهل أيها الشاب لك من الحب الذي تستطيع به أن تضحى بحياتك لأجل من تحب؟
أم إنك تطلب ما لنفسك فقط لإشباع رغبتك الداخلية وهنا تتحول الرحلة من تقديم النفس للآخر إلى أنانية وخدمة الذات طلباً للذة جسدية أو كرامة أو غنى، ولكن لكي لا تكمل هذه الأنانية لابد أن تنكشف طبيعة الكيان الإنساني ومركزه كابن لله نكتشف رسالته في الحياة وهى الوصول لملكوت الله (ملكوت الحب).
ولكن تتأكد من أن حبك ليس أنانياً لابد أن تحذر من أمرين أولهما أن تطلب صورتك في الغير، وهنا تظهر الأهمية الكبرى لضرورة التكامل بين الطرفين وليس المطابقة بينهما فالحب يحول الاختلافات إلى تكامل وتناغم له جمال خاص، فلا يفقد إنسان شخصيته في الغير "أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد" (1كو12 ) وعليك أن تحذر العطاء المادي دون عطاء القلب والنفس، ومع أن هذه النقطة غير متوفرة في وقتنا الحاضر ولكن إذا تم ذلك يكون دليل على عدم الحب الصادق حيث لا يوجد تناسق بين العطاء الداخلي والظاهر.
فالحب يطلب عطاء النفس قبل أى أوليات أخرى، عطاء إلى أبعد الحدود يكسب ذاته ونفسه إلى الآخر بلا توقف، حتى وإن لم تملك يداه شيئاً لأنه يعطى حباً من الأعماق يتعطش إليه الكثيرون.
فالمحب الحقيقي يشتاق في بذل ذاته أن يملك "إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 4 : 13) فمن يحب لا يهمه أية آلام تواجهه في دوامة الحياة حيث يكون كل هدفه إسعاد الآخر مهما كان الطريق ضيق وصعب.
فالحب رغبة صادقة وعملية لتقديم الإنسان نفسه للآخر في الرب وتتزايد هذه الرغبة وتنمو مع الزمن بالرغم من ظهور اختلافات فكرية، إذ يقدم الواحد الآخر ويقدره فلا تشيخ هذه المحبة بل تتجدد بروح الله في عذوبة وبهجة حتى وسط المصاعب.
عن كتاب: دعوني أنمو للقمص/ تادرس يعقوب ملطي
منقول عن موقع الكتيبة الطيبية