يوميات طالب فاشل..!! (2)
بقلم/ شريف رمزى المحامى
انتهت مشكلة المريلة، ومن ثم حملت حقيبتي الفارغة بين ذراعيَّ وقفت أتلقى ما تبقى من تعليمات والدي، قال: أعمل حسابك إن والدتك هاتوصلك المدرسة، لكن أنت هاترجع لوحدك، التلميذ الفاشل بس هو اللي يحتاج لحد يوصله المدرسة ويرجعه منها..
استغربت هذه الكلمات لكن ما باليد حيلة.. أخرج والدي من حافظته ورقة من فئة الخمسة قروش و مَدَّها نحوي، فأخذتها منه مُقّبلاً يديه.. وفي الطريق إلى المدرسة كنت أحصي عدد الشوارع التي أقطعها مع والدتي سيراً على الأقدام حتى أتمكن من العودة بمفردي، لكن للأسف انتهيت من عَّد الأرقام التي أحفظها (من 1: 10) قبل أن نصل إلى المدرسة.. وعند الباب الخارجي للمدرسة تركتني والدتي بعد أن اطمأنت على أنى في أيد أمينة، لأنها قبل أن ترحل سلمتني إلى "عشماوي" أو عم عشماوي فراش المدرسة...
وفي طابور طويل من بين عشرات الطوابير في فناء المدرسة وقفت أترقب سماع أسمى.. وطال الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة، لكن أخيراً نادى الأستاذ فوزي مدرس الألعاب على أسمى، وأجبت كزملائي أفندم، لكن لم أعرف إلى أين اذهب فتسمرت في مكاني، مما أغضب الأستاذ فوزي فصاح فيَّ: واقف ليه يا حمار؟.. إحمرَّ وجهي خجلاً وسط ضحك التلاميذ وأجبت: مش عارف أروح فين.. قال: يا غبي روح مع أبلة ميمي..
وطبعاً لم أكن أعرف أبلة ميمي أو غيرها، لكن عم عشماوي - الله يخليه- أشار إليها وهو يقول: شايف الست الحلوة ديه اللي لابسة جيبة قصيرة، هي ديه ابلة ميمي.. واتجهت فوراً نحو الأبلة ميمي ولم أُعِر لأمر الجيبة أي اهتمام..
أمسكت الأبلة ميمي بيدها قلم حبر بعد أن أوقفتنا كلنا صفاً واحداً أولاداً وبنات، وبدأت ومعها بقية المُدرسات يكتبن على مريلة كل تلميذ أرقاماً 1/1، 1/2، 1/3، 1/4... إلخ.. ولم أًدرك ما الهدف من وراء ذلك إلا بعد أن أوضحت الأبلة ميمي ذلك بقولها: ده رقم الفصل بتاع كل واحد ولازم بعد ما يروَح يخلي والدته تمشي عليه بالخيط وبالإبرة..
أدركت أن هذه الأرقام لن تُفارق مريلتي حتى بعد غسيلها فخرجت من الصف غير راضٍ عن ذلك، وأخرجت منديلي الكاروهات من جيبي ووضعته على طرف لساني وبدأت أمسح هذه الأرقام.. رأتني الأبلة ميمي أفعل ذلك ومن ثم كان أول تعارُف بيني وبين "العصايا" المدرسية... وعُدت أتسأل في داخلي: ما سر إصرارهم على معاملتي كالمساجين؟!...
انتهت عملية الترقيم، وحان وقت الدرس الأول (عُمر أكبر من أمل، أمل أصغر من عُمر)..وكانت الحصة التالية في مادة الدين.. استأذن الأستاذ "محمد" في دخول الفصل فوقفت الأبلة ميمي ترحب به، ثم طلبت مني ومعي جون ومارسيل وتريزا وأبانوب أن نخرج من الفصل لتلقي الحصة في الخارج..
وأمام حجرة المدير وقفنا ننتظر الأبلة ميمي حتى خرجت وأمرتنا بالتوجه إلى الممر المجاور لدورة المياه بعد أن اعتذر لها المدير لعدم وجود فصول كافية.. وفي الممر جلست الأبلة ميمي على كرسي أحضره لها عم عشماوي، وأمرتنا بالجلوس على الأرض معتذرة بعدم وجود كراسي كافية.. ولم يُشكل هذا الوضع بالنسبة لي أية مشكلة، لكن المشكلة الحقيقية أنه بمجرد جلوسي على الأرض في مواجهة كرسي الأبلة ميمي أدركت أن عم عشماوي كان على حق فيما ذكره لي بخصوص جيبة الأبلة ميمي، فقد كانت بالفعل قصيرة جداً..
وقفت في مكاني خجِلاً، فتوقفت أبلتي عن سرد قصة الخليقة، وسألتني عن سبب وقوفي فجأة؟.. ولم أجد ما أقوله لها، وهنا بدأت تُكشر عن أنيابها مرة أخرى وصاحت في وجهي: أنت إيه أخرس؟..
جلست في مكاني مرة أخرى، وكنت أوجه عيني تارة هنا وتارة هناك متفادياً النظر في اتجاه أبلتي، واستفز هذا السلوك أبلتي العزيزة فلم تجد بُداً من استخدام "العصايا" للمرة الثانية.. وخرجت الأبلة ميمي بحكم نهائي غير قابل للاستئناف أعلنته على الملأ، وأخذت تردده بعد ذلك طوال المرحلة الابتدائية: ده تلميذ فاشل، وعمره ما هايكون حاجة في يوم من الأيام..
اليوم التالي:
لم تختلف أحداثه كثيراً عن اليوم الأول،غير أني تسلمت الكتب المدرسية في ذلك اليوم وكنت فرِحاً للغاية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. كانت الكتب كثيرة وثقيلة جداً وبالكاد أمكنني حملها، لكن الحقيبة لم تتحمل وتمزقت في الحال قبل أن أخطو أولى خطواتي نحو المنزل.. وكان ذلك باعثاً جديداً على غضب والدي مني واتهامه لي بالفشل لأني لم أحافظ على حقيبتي من التلَف..
وفي يوم أخر نعتني بالفاشل لأن مصروفي (الورقة فئة الخمسة قروش) سقط مني سهواً.. وتكرر ذلك عدة مرات، خاصة بعد أن شَكتّني له والدتي لأني اقتسمت طعامي مع أحد زملائي... إلخ
وللحديث بقية
منقول من مدونة الملف القبطى
http://copticfile.blogspot.com/2008/10/2.html
بقلم/ شريف رمزى المحامى
انتهت مشكلة المريلة، ومن ثم حملت حقيبتي الفارغة بين ذراعيَّ وقفت أتلقى ما تبقى من تعليمات والدي، قال: أعمل حسابك إن والدتك هاتوصلك المدرسة، لكن أنت هاترجع لوحدك، التلميذ الفاشل بس هو اللي يحتاج لحد يوصله المدرسة ويرجعه منها..
استغربت هذه الكلمات لكن ما باليد حيلة.. أخرج والدي من حافظته ورقة من فئة الخمسة قروش و مَدَّها نحوي، فأخذتها منه مُقّبلاً يديه.. وفي الطريق إلى المدرسة كنت أحصي عدد الشوارع التي أقطعها مع والدتي سيراً على الأقدام حتى أتمكن من العودة بمفردي، لكن للأسف انتهيت من عَّد الأرقام التي أحفظها (من 1: 10) قبل أن نصل إلى المدرسة.. وعند الباب الخارجي للمدرسة تركتني والدتي بعد أن اطمأنت على أنى في أيد أمينة، لأنها قبل أن ترحل سلمتني إلى "عشماوي" أو عم عشماوي فراش المدرسة...
وفي طابور طويل من بين عشرات الطوابير في فناء المدرسة وقفت أترقب سماع أسمى.. وطال الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة، لكن أخيراً نادى الأستاذ فوزي مدرس الألعاب على أسمى، وأجبت كزملائي أفندم، لكن لم أعرف إلى أين اذهب فتسمرت في مكاني، مما أغضب الأستاذ فوزي فصاح فيَّ: واقف ليه يا حمار؟.. إحمرَّ وجهي خجلاً وسط ضحك التلاميذ وأجبت: مش عارف أروح فين.. قال: يا غبي روح مع أبلة ميمي..
وطبعاً لم أكن أعرف أبلة ميمي أو غيرها، لكن عم عشماوي - الله يخليه- أشار إليها وهو يقول: شايف الست الحلوة ديه اللي لابسة جيبة قصيرة، هي ديه ابلة ميمي.. واتجهت فوراً نحو الأبلة ميمي ولم أُعِر لأمر الجيبة أي اهتمام..
أمسكت الأبلة ميمي بيدها قلم حبر بعد أن أوقفتنا كلنا صفاً واحداً أولاداً وبنات، وبدأت ومعها بقية المُدرسات يكتبن على مريلة كل تلميذ أرقاماً 1/1، 1/2، 1/3، 1/4... إلخ.. ولم أًدرك ما الهدف من وراء ذلك إلا بعد أن أوضحت الأبلة ميمي ذلك بقولها: ده رقم الفصل بتاع كل واحد ولازم بعد ما يروَح يخلي والدته تمشي عليه بالخيط وبالإبرة..
أدركت أن هذه الأرقام لن تُفارق مريلتي حتى بعد غسيلها فخرجت من الصف غير راضٍ عن ذلك، وأخرجت منديلي الكاروهات من جيبي ووضعته على طرف لساني وبدأت أمسح هذه الأرقام.. رأتني الأبلة ميمي أفعل ذلك ومن ثم كان أول تعارُف بيني وبين "العصايا" المدرسية... وعُدت أتسأل في داخلي: ما سر إصرارهم على معاملتي كالمساجين؟!...
انتهت عملية الترقيم، وحان وقت الدرس الأول (عُمر أكبر من أمل، أمل أصغر من عُمر)..وكانت الحصة التالية في مادة الدين.. استأذن الأستاذ "محمد" في دخول الفصل فوقفت الأبلة ميمي ترحب به، ثم طلبت مني ومعي جون ومارسيل وتريزا وأبانوب أن نخرج من الفصل لتلقي الحصة في الخارج..
وأمام حجرة المدير وقفنا ننتظر الأبلة ميمي حتى خرجت وأمرتنا بالتوجه إلى الممر المجاور لدورة المياه بعد أن اعتذر لها المدير لعدم وجود فصول كافية.. وفي الممر جلست الأبلة ميمي على كرسي أحضره لها عم عشماوي، وأمرتنا بالجلوس على الأرض معتذرة بعدم وجود كراسي كافية.. ولم يُشكل هذا الوضع بالنسبة لي أية مشكلة، لكن المشكلة الحقيقية أنه بمجرد جلوسي على الأرض في مواجهة كرسي الأبلة ميمي أدركت أن عم عشماوي كان على حق فيما ذكره لي بخصوص جيبة الأبلة ميمي، فقد كانت بالفعل قصيرة جداً..
وقفت في مكاني خجِلاً، فتوقفت أبلتي عن سرد قصة الخليقة، وسألتني عن سبب وقوفي فجأة؟.. ولم أجد ما أقوله لها، وهنا بدأت تُكشر عن أنيابها مرة أخرى وصاحت في وجهي: أنت إيه أخرس؟..
جلست في مكاني مرة أخرى، وكنت أوجه عيني تارة هنا وتارة هناك متفادياً النظر في اتجاه أبلتي، واستفز هذا السلوك أبلتي العزيزة فلم تجد بُداً من استخدام "العصايا" للمرة الثانية.. وخرجت الأبلة ميمي بحكم نهائي غير قابل للاستئناف أعلنته على الملأ، وأخذت تردده بعد ذلك طوال المرحلة الابتدائية: ده تلميذ فاشل، وعمره ما هايكون حاجة في يوم من الأيام..
اليوم التالي:
لم تختلف أحداثه كثيراً عن اليوم الأول،غير أني تسلمت الكتب المدرسية في ذلك اليوم وكنت فرِحاً للغاية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. كانت الكتب كثيرة وثقيلة جداً وبالكاد أمكنني حملها، لكن الحقيبة لم تتحمل وتمزقت في الحال قبل أن أخطو أولى خطواتي نحو المنزل.. وكان ذلك باعثاً جديداً على غضب والدي مني واتهامه لي بالفشل لأني لم أحافظ على حقيبتي من التلَف..
وفي يوم أخر نعتني بالفاشل لأن مصروفي (الورقة فئة الخمسة قروش) سقط مني سهواً.. وتكرر ذلك عدة مرات، خاصة بعد أن شَكتّني له والدتي لأني اقتسمت طعامي مع أحد زملائي... إلخ
وللحديث بقية
منقول من مدونة الملف القبطى
http://copticfile.blogspot.com/2008/10/2.html