الكتاب المقدس كلمة الإله، هو أكبر ينبوع ذُخِّرَت لنا فيه قوة الإله، إنْ كنا نريد أنْ نتمتع بهذه القوة فعلينا أنْ نعرف الطريق إلى كتاب الإله. كثيرون يَضِلّون الطريق، فبينما هم يُصلُّون طالبين القوة نراهم يُهمِلون الكتاب المقدس، وبينما هم يشتاقون إلى الثمار المتكاثرة في حياة الخدمة ينسون قول الرب يسوع نفسه "إنَّ الزرع هو كلمة الإله" (لوقا11:.
إنهم يشتاقون إلى القوة التي تذيب القلوب الباردة وتحطِّم الإرادة الصخرية، وينسون القول الإلهي "أليست كلمتي كنارٍ وكمطرقةٍ تحطِّم الصخر" (إرميا29:23). إنْ كنا نرغب في الحصول على القوة في الحياة الروحية وفي خدمة الفادي ينبغي أنْ نتغذّى باستمرار بكلمة الإله، فليس هناك مصدر آخر للقوة. وكما أننا نَضْعُف في قوانا الجسدية إذا أهملنا الغذاء المناسب، كذلك فإننا لا نستطيع أنْ نجد الطريق إلى القوة الروحية إذا لم نصرف يومياً وقتاً كافياً في دراسة كلمة الإله. وسنتأمل الآن في فوائد دراسة كلمة الإله.
أولاً: التبكيت على الخطية
نقرأ في سفر (أعمال37:2) هذا القول الإلهي: "فلما سمِعوا نُخِسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة"، لقد كانت كلمة الإله هي السبب في أنهم نُخِسوا في قلوبهم. عندما نقرأ عظة بطرس في يوم الخمسين نلاحظ أنها أقوى عظة كتابية، وأنها عظة مليئة بكلمة الإله من بدايتها إلى نهايتها، لأجل هذا فإنَّ كلمة الإله بقوة الروح القدس نَخَست هؤلاء الناس في قلوبهم، فإنْ كنت تريد أن يتبكَّت الناس على خطاياهم قدِّم لهم كلمة الإله. منذ مدة سمعت أحدهم يصلي قائلاً: "يا رب بكتنا على الخطية"، لقد كانت صلاة جميلة بدون شك، ولكن ما لم تأتي هذه النفس إلى السبيل الوحيد الذي أعده الإله للتبكيت على الخطية فلن تستطيع أن تحصل على هذا التبكيت. وهذا الحال أيضاً إذا كنا نريد أنْ يحصل الآخرون على التبكيت، ينبغي أن نقودهم إلى كلمة الإله الحية الفعّالة.
سألت أحدهم مرة: هل سلمت حياتك للمسيح؟ فأجاب بالنفي، واستطرد يقول: "أظن أنَّ المسيحية ديانة تكلَّف كثيراً وليس لدي استعداد لهذه التضحية"، عندئذ قلت له: "هل تعلم أنك خاطئ؟" فأجاب: "نعم إنني من الشباب الهادئ الطيب"، قلت له: "يا عزيزي، أنت لا تشعر بتبكيت على خطاياك، إنَّ الكتاب الذي في يدي هو الطريق الذي أعده الإله للتبكيت على الخطية". ثم طلبت منه أنْ يقرأ ما وَرَدَ في (متى37:22-38) "فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى"، وبعد القراءة سألته: أية وصية هذه؟ فأجاب قائلاً: إنها الوصية الأولى والعظمى، عندئذ قلت له: على ضوء هذه الكلمات ما هي أول وأعظم خطية؟ فكان جوابه المنطقي هو: أعتقد أنَّ أول وأعظم خطية هي عدم حفظ الوصية الأولى والعظمى. وفي هدوء قدَّمت له هذا السؤال الأخير: هل تحفظ هذه الوصية؟ وكان أمراً مباركاً وجميلاً أنَّ الروح القدس قاد هذه الكلمات إلى أعماق قلبه في تلك اللحظة، ولم يَمْضِ وقت حتى كان راكعاً بجواري وقد نال الخلاص الثمين بدم المسيح.
ثانياً: تجديد الحياة
نقرأ في رسالة الرسول (1بط23:1) هذا القول المبارك: "مولودين ثانيةً لا من زرْعْ يفنى بل ممّا لا يفنى بكلمة الإله الحية الباقية إلى الأبد". ونقرأ أيضاً في (رسالة يعقوب 18:1) هذا القول الإلهي: "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه". إنَّ الطريق إلى التجديد ونوال الميلاد الثاني سهلٌ وواضح، حين نفتح القلب لدخول كلمة الإله التي تقدِّم لنا المسيح المصلوب والمسيح المُقام، وحين نرفع القلب إلى الإله بالإيمان، لا شك أننا ننال التجديد. وبنفس هذه الطريقة يمكن أنْ نرى الآخرين يخلصون إذا قدَّمنا لهم كلمة الإله. إنَّ نوال التجديد ليس صعباً من جانب الإنسان، لكنه من جانب الإله عمل عجيب لا يمكن أنْ نصل لعمقه. فمن جانب الإنسان لنلاحظ أنَّ القلب البشري هو التربة، وأنت وأنا كجماعة مؤمنين نزرع الكلمة وكلمة الإله هي الزرع الذي نزرعه في التربة، والإله هو الذي يتعهَّد هذه البذار ويُنميها في القلوب، وعندما تسكن كلمة الإله بالإيمان في القلب فلابد أنْ تُثمر بالحياة الجديدة.
الميلاد الثاني معناه دخول طبيعة جديدة في القلب، إنها طبيعة الإله، ولكن كيف يمكن أنْ نكون شركاء الطبيعة الإلهية؟ نقرأ في رسالة (2بط4:1) أننا صرنا بهذه المواعيد العُظمى والثمينة شركاء الطبيعة الإلهية. إنَّ كلمة الإله هي الزرع الذي بواسطته تَنْبُت الطبيعة المقدسة في قلب الإنسان.
ثالثاً: نوال الإيمان
في الرسالة إلى أهل (رومية17:10) نقرا هذه الكلمات "الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الإله". إنك لا تستطيع إطلاقاً أنْ تحصل على الإيمان بمجرد الصلاة، ولن تحصل على الإيمان بتوجيه الإرادة أو العزيمة نحو هذا الاتجاه، إنَّ الطريق الوحيد للإيمان هو كلمة الإله، وهذا ما نلمسه في إيمان الخلاص، فإذا أردت أنْ تقود شخصاً إلى الإيمان الذي يخلِّصه من خطاياه، فقدم له بكل بساطة أقوالاً واضحةً مناسبةً من كلمة الإله ليستند عليها. هذا ما حصل مع سجّان فيلبي كما نقرا في الأصحاح السادس عشر من سفر الأعمال ، لقد كان سؤاله: "يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" أجابه الرسول بولس بالقول: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك". لكن الرسول لم يقف عند هذا الحد بل نقرأ في العدد الثاني والثلاثين من نفس الأصحاح أنهما - بولس وسيلا- "كلّماه بكلمة الإله هو وجميع أهل بيته". لم يطلبا منه مجرد الإيمان بالرب يسوع المسيح ثم تركاه يَتَخَبَّط في الظلام دون أنْ يقدِّما له أساساً ثابتاً ليستند عليه، لكنهما أوضحا له بكل جلاء طريق الإيمان كما تعلنه كلمة الإله.
كثيراً ما نفشل في هذه النقطة إذ نطلب من الخطاة أنْ يؤمنوا دون أنْ نوضِّح لهم الطريق أو نقدِّم لهم شيئاً ليستند عليه هذا الإيمان. عندما تطلب من شخص ما أن يسلم حياته للمسيح، فإن الطريق الكتابي الصحيح هو أنْ تقدِّم له فصلاً كتابياً مثل الأقوال الواردة في (أشعياء6:53) عن المسيح المصلوب، أو ما ورد في رسالة (1بط24:2) عن المسيح المتألم وغير ذلك، وبهذه الطريقة يمكن للخاطئ أنْ يثَّبت إيمانه على كلمة الإله، لأنَّ الإيمان لا يبني قصوراً في الهواء لكن لابد له من أساس يستند عليه، وهذا الأساس هو كلمة الإله.
وما قلناه عن إيمان الخلاص نقوله عن الإيمان المجاهد في الصلاة، عندنا الوعد الإلهي في إنجيل(مرقس24:11) "لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم". فلكي أحصل على الطلبات التي أريدها ينبغي أنْ يكون هناك إيمان، والإيمان الحقيقي لابد من مستند يرتكز عليه. قبل أنْ يكون عندي الإيمان الصحيح الذي به أنال ما أطلب ينبغي أنْ أستند على وعد من الإله في كلمته الحية، أو أنْ أستند على إرشاد صريح وواضح من الروح القدس. والآن ماذا تفعل يا تُرى؟.
عندما نقترب من عرش النعمة ولنا طلبات معينة نريد أنْ نحصل عليها ينبغي أنْ نسأل أنفسنا هذا السؤال المهم "هل يوجد وعد في كلمة الإله يتعلق بهذا الطلب الذي نريده؟" لندرس كلمة الإله حتى نجد هذا الوعد الإلهي، وعندئذ نعرض طلبنا أما الإله متمسكين بهذا الوعد. إنَّ الطريق الوحيد للحصول على الإيمان الذي يجاهد في الصلاة أمام الإله هو دراسة كلمة الإله ومعرفة المواعيد العُظمى والثمينة التي لنا فيها والتمسك بها أمام الإله عندما نسكب قلوبنا في حضرته.
وبنفس الطريقة نستطيع أنْ نحصل على الإيمان الذي يزيل الشكوك بواسطة دراسة كلمة الإله، لنفرض أنك تتعامل مع أحد المتشككين أو الملحدين وتريد أن يصل الإيمان إلى قلب ذلك الرجل، هل تعطيه بعض الكتب التي تتحدث عن صحة الديانة المسيحية؟ صحيح أنَّ هذه الكتب نافعة إلى حدٍ ما، لكن لماذا نذهب بعيداً وعندنا الكتاب المقدس المُؤَيَّد بقوة الروح القدس وفيه من الكفاية والإقناع ما هو أفضل بكثير من آلاف الكتب في المكتبات المختلفة؟ يقول الكتاب المقدس في إنجيل (يوحنا31:20) "أما هذه فقد كُتِبَتْ لتؤمنوا أنَّ يسوع هو المسيح ابن الإله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه".
ثم نلاحظ أيضاً أنَّ الإيمان المنتصِر على العالم وعلى الجسد وعلى الشيطان هو الإيمان المنتصِر في عرش النعمة عن طريق كلمة الإله.
في بدء خدمتي الروحية قرأت عظة لأحد رجال الإله الأتقياء قال فيها أنَّ المؤمن الحقيقي لا يصلح لشيء إذا لم يكن قوياً في الإيمان، ومنذ تلك اللحظة اقتنعت بهذه الحقيقة وعزمت أنْ أكون قوياً في الإيمان، وبدأت طريقي في الخدمة وأنا أحاول الحصول على الإيمان القوي، لكن كل جهودي فشلت، إلى أنْ جاء وقت تمسَّكْت فيه بهذا القول الإلهي: "الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الإله" (رو17:10)، وعندئذ فهمت سر الإيمان القوي، وكان هذا من أعظم الدروس التي تعلمتها في حياتي، ومنذ ذلك الوقت بدأت بتغذية إيماني على كلمة الإله، وكلما ازدادت معرفتي بكلمة الإله كلما تقوى إيماني من يوم إلى آخر.
رابعاً: طهارة الحياة
كلمة الإله لها القوة، ليس فقط أنْ تَنْزَع النجاسة من القلب، بل أنها أيضاً تطهر ينابيع النفس الداخلية، فإذا أردنا أنْ نتمتع بنقاوة الحياة في الخارج والداخل ينبغي أنْ نغتسل باستمرار في كلمة الإله وأنْ نتخذها مقياساً لحياتنا الروحية.
في المدن الصناعية التي يكثر فيها تصاعد الدخان حتى يشعر به المارة في الشوارع وتتسِخ أيديهم وتكون الحاجة مستمرة إلى الاغتسال للاحتفاظ بنظافة الجسم، ونحن كمؤمنين نعيش في عالم مليء بأتربة الشهوات وتتصاعد منه روائح الخطية والفساد، نحتاج ونحن نعبر طريقنا يوماً بعد الآخر أن نغتسل باستمرار بالكلمة الحية إذا أردنا أنْ نعيش في طهارة السيرة وقداسة السلوك. نحتاج كل يوم أنْ ندخل إلى مرحضة كلمة الإله وأنْ نطبق الكلمة على حياتنا حتى لا تتعثّّر أقدامنا، أو تنزلق خطواتنا، أو تتعطل شهادتنا. "بِمَ يُزَكي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك" (مز9:119).